الفساد في دائرة الضوء،،،

كما لو أن الجميع بات مهتماً بالفعل، بإستئصال وباءه من جسد البلاد، باتت قضية الفساد في الآونة الأخيرة، تشغل ولا تزال حيزاً لا بأس به في أجندة المنظمات المهتمة بشقيها الرسمي والمدني.
الفساد في دائرة الضوء

صدام أبو عاصم
منذ مدة ونحن نعارك مصطلحات وخطابات رنانة تغرينا تفسيراتها الإيجابية، ومغازيها الهادفة في الغالب إلى الدفع باتجاه "يمن جديد" خالي من وباء الفساد، و"مستقبل أفضل" لوطن مبني فرضاً، على تنمية حقيقية منتقاه من أي شوائب عائقة.
الجميع يدرك أهمية التوجه الجاد لاستئصال المرض الذي باتت آلامه تعصف بالمجتمع اليمني وتلفُ بتفنن، قدر البلاد في دائرة من غموض.
ولذا ليس غريباً أن نلمس محاولات خجولة من البعض لإيقاف الزحف الخطر لموجة وباء ستوقِفُ إذا لم تجابه بحكمة في الفترات القادمة، روح الطموح بمستقبل أفضل إن لم تجهز على ما تبقى من رمق الواقع المرير.
كان الخبر الرسمي الذي نشرته وكالة سبأ في الـ6 من ابريل الجاري، يظهر إلى حد ما، أن هناك توجه رسمي شبه جاد لوقف العبث في أهم سلطة في البلاد؛ وهي القضاء.
وإذ ذكرت الوكالة الرسمية "أن مجلس القضاء أقر عزل أحد القضاة نظراً لما ارتكبه من مخالفات مهنية "جسيمة" و إيقاع عقوبة النقل إلى وظيفة غير قضائية على قاض آخر، بسبب تخلفه عن الجلسات وكثرة غيابه" أوردت إلى ذلك: أن المجلس عاقب أحد أعضاء النيابة العامة، نظراً لما ارتكبه من مخالفة، وأقر رفع الحصانة القضائية عن أحد القضاة و عن أحد أعضاء النيابة العامة لكي تتمكن النيابة العامة من اتخاذ إجراءات التحقيق في مواجهة كل منهما فيما نُسب إليه".
لقد كان ما سبق فحوى الخبر الرسمي. فيما لم يشر إلى تفاصيل التهم المنسوبة إلى أي منهم أو مخالفاتهم بشكل أوضح. وبعيداً عن التفاصيل، فإن محاولة مجلس القضاء الأعلى، الإستماع والعمل بتقارير مجلس المحاسبة وهيئة التفتيش القضائي، بات يظهر أن الطريق إلى وطن خالي من الفساد قد يكون سهلاً إذا ما بادرت بالمضي فيه، الجهات الرسمية. وبالذات المختصة بمقاضاة من تطال أيديهم العبث بالمال العام قبل السياسة العامة والأمن العام، على اعتبار أنه الأكثر قرباً من مصطلح الـ"فساد".
وتفاخر حكومة بلادنا أنها ماضية بالفعل، في تنفيذ منظومة من الإصلاحات بمختلف مجالاتها، بما في ذلك التأسيس لهيئات جديدة مختصة بمكافحة الفساد؛ كالتي استحدثت في العام 2006م وأسميت "الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد". وفيما أشار مسؤولون إلى أن تأسيس الهيئة جاء ليزيد من فاعلية "الجهاز المركزي للرقابة والحاسبة" والتعاون والتكامل معه وأجهزة القضاء لمحاربة ما أضحى يوصف بـ"ظاهرة الفساد" في اليمن.
وفي حين يعترف القائمون على كرسي البلاد أن هناك فساداً حقيقياً يلف البلاد، تؤكد ذلك التقارير الواردة من جهات مهتمة عديدة، أن بلادنا تعيش ظروفاً هي الأخطر في تأريخها وفي مختلف مجالات الحياة اليمنية، ولا سيما السياسية والإقتصادية التي تعد التحدي الأكبر للحكومة في حضورها الخارجي.
وكان تقرير سابق لمنظمة "برلمانيون يمنيون ضد الفساد" ذكر أن الفساد في اليمن لا يزال يشكل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه عملية التنمية, الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمناخ الاستثماري. مشيراً إلى تزايد خطورة الفساد وتداعياته مع تزايد حجم الفساد المالي والإداري واتساع رقعته كما تؤكد على ذلك التقارير الدولية التي تصف الأوضاع في اليمن بـ"المزرية".
منتصف العام الفائت، كشف تقرير لذات المنظمة أن القطاع النفطي هو الأكثر فساداً بين القطاعات الحكومية في اليمن. موضحاً "أن الفساد يستشري في قطاع النفط بنسبة 87.2% يليه القطاع العسكري بـ 61.8%، ثم القطاع الأمني بـ60.9%، يليه القطاع الصحي بنحو 53.6%. في حين جاء في المراتب التالية القطاع الدبلوماسي بـ48.1%، ثم القطاع السمكي بـ35.4% يليه القطاع الزراعي بنسبة 33.6%".
ولم ينس التقرير حينها، الإشارة إلى استغلال المنصب الوظيفي هو أكثر مظاهر الفساد انتشارا في اليمن في القطاع الحكومي يليه الرشوة ثم الوساطة فالاختلاس ثم الابتزاز، معتبراً أن التزوير يأتي ضمن قائمة مظاهر الفساد الهامشية. وعزا أسباب انتشار الفساد إلى ممارسات كبار الموظفين وبنسبة 70%، فيما كانت"عدم مؤسسية الحكم" أخذت نسبة 61.81% من أسباب انتشار الفساد في اليمن.
وفيما تشير المعلومات أن حجم مديونية اليمن الخارجية وصلت نحو ستة مليارات دولار وقفزت خلال السنتين الماضيتين بنسبة زيادة تقدر بـ13%.
يؤكد المهتمون أن الأسباب التي تدفع الحكومة اليمنية لمحاربة الفساد جاء بسبب ضغوط الجهات المانحة، والسعي للحصول على المساعدات الخارجية.
المجتمع المدني والفساد
المنظمات المدنية في الداخل، لم تكن هي الأخرى، بمعزل عن الوضع. وبعيداً عن قراءات البعض لتحركاتها التي لا تخلو من هدف مادي وشخصي بحت. لا يخفى على أحد أن منظمتين معروفتين على الساحة المدنية والإعلامية المحلية خاضت منافسة قوية لتأسيس شبكة "صحفيون ضد الفساد" بالتعاون مع هيئة مكافحة الفساد ومؤوسسات إعلامية ومنظمات دولية مانحة، وإلى اللحظة لم يلامس أحدنا واقعاً ينبىء بوجود نتائج إيجابية أسهمت أياً منهما في التغير إلى الأحسن، إن لم يكن ذلك التنافس المحموم من وجهة نظر البعض، بادرة طيبة في تأسيس "مصيدة" حقيقية للفساد، يلتف الجميع حول تثبيتها والعمل بها.
وفي حين ينظر البعض إلى قصور ما في الجانب التشريعي والقانوني واللوائح الداخلية للهيئات والأجهزة المختصة بمكافحة الفساد، أطلق منتدى التنمية السياسية نهاية الأسبوع الفائت، مشروع مبادرة بمعايير وطنية لقياس وتقييم الفساد.
وبعيداً عن الجدل الذي أحدثه مشروع المبادرة المتمثلة بوثيقة تم إعدادها بواسطة لجنة استشارية من خبراء محليين ودوليين، فإن الوثيقة ماتزال في إطار المسودة، وبالتالي دفعت تلك المحاولة بعض المهتمين في حلقة عقدت لمناقشتها باتجاه الإشادة بها. وذلك بالطبع مؤشر إيجابي لتوجه مدني هادف لتغيير ايجابي في مستقبل البلاد.
خلل تشريعي
وفي ذات السياق، ينتقد مختصون محليون توسع المشرّع اليمني في تحديده لجرائم الفساد في المادة (30) والذي يخرج ويتناقض مع مفهوم الفساد وتعريفه في المادة (2) من القانون.
ودعا الدكتور عصام العبسي - مستشار الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة - إلى تعديل القانون رقم (39) لسنة 2006، الخاص بشأن مكافحة الفساد وخاصة منه نص المادة الـ(2) وفقرته الـ(8) وذلك بسبب ما أسماه "عدم تطابق المادة (30) والمحددة لجرائم الفساد مع تعريف الفساد المنصوص عليه في المادة الثانية".
واستعرض العبسي في دراسة له عن (البينة التشريعية والمؤسسية القائمة لمكافحة الفساد في الإدارة العامة) بعضاً من الأمثلة على عدم تطابق جرائم المادة (30) مع تعريف الفساد في المادة (2)، والتي منها عدم تطابق الجرائم الماسة بالإقتصاد الوطني والمنصوص عليها في الفقرة (1) مع تعريف الفساد، وذلك بسبب أن تلك الجرائم لاتتضمن أفعالات تعد استغلالا للوظيفة العامة للحصول على مصلحة خاصة، والتي أشارت إليها المادة (147) من قانون الجرائم والعقوبات المتعلقة بـ(جريمة تخريب الأموال العامة المتعلقة بالإقتصاد الوطني) والمادة (150) المسمى بـ(جريمة الإتلاف بغير قصد الإضرار).
وفي ندوة (الفساد في الإدارة العامة ووسائل مكافحته) التي نظمتها مطلع الأسبوع الفائت بصنعاء (المؤسسة اليمنية للدراسات الإجتماعية) ذكر العبسي في دراسته المقدمة للندوة "إن تلك النصوص تجرم الأفعال التي تؤدي إلى تخريب أموال ثابتة أو منقولة أو مملوكة للشعب بنية انهيار الإقتصاد الوطني"، مشيرا إلى إمكانية حدوث تلك الأفعال بدون استغلال للوظيفة العامة.
ونقل "نيوز يمن" عن المستشار العبسي تأكيده على عدم تطابق مفهوم الفساد مع كل الجرائم الماسة بالوظيفة العامة طبقا للفقرة (2) من نص المادة (30). وقال"تضمن الباب الرابع من قانون الجرائم والعقوبات الخاص بالجرائم الماسة بالوظيفة العامة عدد من الجرائم لا علاقة لها باستغلال الوظيفة العامة لتحقيق مصالح خاصة". مسمياً منها "تلك الجرائم الواقعة على الموظفين والسلطات العامة كجريمة التعدي على الموظف المنصوص عليه في المادة (171) وجريمة إهانة الموظف في المادة (172)".
الإعلام في مواجهة الفساد
ويعتقد المهتمون أن وكان الرئيس اليمني على عبدالله صالح في افتتاح المؤتمر العام الرابع لنقابة الصحفيين اليمنيين انتقد الرئيس على عبدالله صالح دور الإعلام في مكافحة الفساد، وشن هجوماً على الصحف التي لم تأخذ في إعتبارها مسألة محاربة الفساد الذي وصفه بـ"المنظومة المتكاملة".
وفي أول فعالية يقوم بها مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين بعد انتخاب المجلس الجديد في الـ14 من مارس الماضي، نسقت لجنة التدريب والتأهيل بالنقابة مع معهد التنمية الديمقراطية وهيئة مكافحة الفساد. حيث نظم الأخيرين عبر "آفاق جديدة" للتسويق والإعلام، دورة تدريبية لحوالي عشرين صحفي من مختلف المؤسسات الإعلامية.
وذكر متدربون لـ"رأي" أن الدورة الذي حضرها نخبة من الأكاديميين المتخصصين في محاربة الفساد والقائمون على أجهزة الرقابة في بعض أجهزة الدولة، كرست جهداً لا بأس به في حث الصحفيين على بذل قصارى جهدهم لفصح المخالفات في الجوانب المالية والإدارية ودلهم على الطريقة المثلى لذلك، إلى جانب التأكيد على أهمية تعاون الجميع بهدف الحد من الفساد في النهاية.
الفساد في سياسة الصحف
إلى ذلك، أوضحت دراسة تحليلية عن تأثير الانتماء السياسي للصحف اليمنية على حجم تغطيتها لقضايا الفساد عن اعتماد الصحف الحكومية على الشكل الخبري بدرجة رئيسة في تغطيتها لقضايا الفساد، والذي بلغت نسبة أهميته (46,04%) يليه شكلي مقال الرأي والتقرير و بنسب متقاربة مقدرة بـ(20,50%) و (2062%)، بمقابل نسبة متدنية للتحقيق والإستطلاع الصحفي وصلت إلى (0،72%).
الدراسة التي نفذها "مركز التأهيل وحماية الحريات الصحفية" بالتعاون مع الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والمعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية وتم تدشينها الخميس الماضي، أشارت إلى احتلال الخبر المرتبة الأولى في الصحف الحكومية التي شملتها الدراسة والمتمثلة في (السياسية والجمهورية و14 اكتوبر والوحدة و26 سبتمبر)، بينما احتل مقال الرأي المرتبة الثانية من حيث أهمية استخدامه في صحف الجمهورية و14 اكتوبر و26 سبتمبر، في الوقت الذي احتل فيه المرتبة الثالثة في صحيفتي الوحدة والسياسية، ليأتي التقرير في المرتبة الثالثة من حيث أهمية استخدامه للصحف الحكومية.
وباستثناء صحيفة السياسية، أشارت الدراسة إلى عدم تناول الصحف الحكومية في تغطيتها لقضايا الفساد خلال الفترة من العاشر من يناير الماضي وحتى العاشر من مارس للعام 2009م وهي الفترة الزمنية لتنفيذ الدراسة- إلى عدم استخدامها للتحقيق الصحفي، واصفة نسبة التي شغلها التحقيق في صحيفة السياسية والمقدرة بـ(2,22%) بـ"الضئيلة، منوهة إلى انفراد صحيفة الوحدة بالكاريكتور كتعبير عن قضايا الفساد وبنسبة (9’38%).
ولفتت الدراسة إلى عدد الكلمات التي استخدمتها الصحف الحكومية لكلمة فساد والمحددة بـ(1849) وبمتوسط (10) كلمات للعدد الواحد، لتفوق بذلك عدد الكلمات التي وردت في الصحف الحزبية والبالغ عددها (678) كلمة وبمتوسط (20) كلمة للعدد الواحد، مشيرة إلى احتلال صحيفة الصحوة المرتبة الأولى من بين الصحف الحزبية المشمولة بالدراسة والمتمثلة في صحف (الميثاق والثوري والصحوة والوحدوي والتجمع) في تغطيتها لقضايا الفساد، مشيرا إلى استخدام الصحف الحزبية لـ (6) أشكال صحفية مختلفة شملت (154) مادة، احتل مقال الرأي مقدمتها والإستطلاع آخرها، فيما غابت عن صفحاتها شكلي التحقيق والكاريكاتير.
..........................
تقرير صحفي نشر في أسبوعية "رأي" قبل أيام..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أمـي اليمن